فصل: تفسير الآيات (133- 137):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (129- 132):

{قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)}
ولما تشوف السامع إلى ما كان من جوابهم، أشار تعالى أن قلقهم كان وصل إلى حد لا صبر معه بقوله مستأنفاً: {قالوا} ولما كان الموجع هو الأذى، لا كونه من معين، بنوا للمفعول قولهم: {أوذينا} أي بالقتل والاستعباد.
ولما كان أذاهم غير مستغرق للزمان، أثبتوا الجارّ فقالوا: {من قبل أن تأتينا} أي كما تعلم {ومن بعد ما جئتنا} أي فما الذي أفادنا مجيئك {قال} مسلياً لهم وداعياً ومرجياً بما رمز إليه من قبل {عسى ربكم} أي الذي أحسن إلى آبائكم بما تعرفون وإليكم بإرسالي إليكم {أن يهلك عدوكم} فلا يهولنكم ما ترون {ويستخلفكم} أي ويوجد خلافتكم لهم متمكنين، لا يحكم عليكم غيركم {في الأرض} أي جنسها إن كنتم متقين؛ ثم سبب عن الاستخلاف قوله مذكراً لهم محذراً من سطواته سبحانه: {فينظر} أي وأنتم خلفاء متمكنون {كيف تعملون} أي يعاملكم معاملة المختبر وهو في الأزل أعلم بما تعملون منكم بعد إيقاعكم للأعمال، ولكنه يفعل ذلك لتقوم الحجة عليكم على مجاري عاداتكم.
ولما رجاهم موسى عليه السلام بذلك، أخبر سبحانه أنه فعل ما أخبرهم به، فذكر مقدماته فقال: {ولقد} أي قال لهم ما قال والحال أنا وعزتنا قد {أخذنا} أي قهرنا {آل فرعون} ولينّا عريكتهم وسهلنا شكيمتهم {بالسنين} أي بالقحط والجوع، فإن السنة يطلق بالغلبة على ذلك كما تطلق على العام؛ ولما كانت السنة تطلق على نقص الحبوب، صرح بالثمار فقال، {ونقص من الثمرات} أي بالعاهات إن كان الماء كثيراً، أو السنة للبادية والنقص للحاضرة {لعلهم يذكرون} أي ليكون حالهم حال من يرجو ناظره أن يتذكر في نفسه ولو بأدنى وجوه التذكر- بما أشار إليه الإدغام، فإن الضر يزيل الشماخة التي هي مظنة الوقوف مع الحظوظ ويوجب للإنسان الرقة فيقول: هذا إنما حصل لي بسبب تكذيبي لهذا الرسول وعبادتي من لا يكشف السوء عن نفسه ولا غيره.
ولما لم يتذكروا ولا لانوا، سبب عن أخذهم قوله معرفاً بغباوتهم معبراً في الخير بأداة التحقيق إشارة إلى أنه أغلب من الشر، حثاً على الشكر: {فإذا} أي فما تسبب عن ذلك إلا أنهم كانوا إذا {جاءتهم الحسنة} أي الحالة الكاملة التي يحبونها من الخصب وغيره، وعرفها بعد تحقيقها إشارة إلى إكمالها {قالوا لنا هذه} أي نحن حقيقون بها، ودل على أن الخير أكثر من غيره بقوله بأداة الشك مع التنكير: {وإن تصبهم سيئة} أي حالة يكرهونها.
ولما كانت افصابة بالسيئات تخصهم ولا يلحق بني إسرائيل منها شيء، فكان إظهارهم للتطير بهم ظاهراً في ردهم عليهم وتكذيبهم فيه، أشار سبحانه بإدغام التاء إلى أنهم كانوا إنما يدسونه إلى من يمكنهم اختداعه من الجهلة والأغبياء على وجه الحلية والخفاء، بخلاف ما في يس فقال: {يطيروا} أي يتشاءموا {بموسى ومن معه} أي بأن يقولوا: ما حصل لنا هذا السوء إلا بشؤمهم، وهو تفعل من الطير، وهو تعمد قصد الطير لأن يطير للتفاؤل به خير أو شر، وأصله أن العرب كانوا إذا مر الطائر من ميامنهم إلى جهة مياسرهم قالوا: بارح، أي مشؤوم، من البرح وهو الشدة، فإذا طار من جهة اليسار إلى جهة اليمين عدوه مباركاً، قالوا: من لي بالسانح بعد البارح، أي بالمبارك بعد المشؤوم، وعرف أن المراد هنا التشاؤم لاقترانه بالسيئة.
ولما كذبوا في الموضعين، قال مستأنفاً على وجه التأكيد: {ألا إنما طائرهم} أي قدرهم الذي سبق في الأزل من الخير والشر فلا يزداد ولا ينقص {عند الله} أي الملك الذي لا أمر لغيره وقد قدر كل شيء، فلا يقدر على المجيء به غيره أصلاً {ولكن أكثرهم لا يعلمون} أي لا علم لهم أصلاً فهم لا يهتدون إلى ما ينفعهم ويظنون أن للعباد مدخلاً في ذلك، فلذلك تراهم يضيفون الأشياء إلى أسباب يتوهمونها.
ولما كان هذا الذي قالوه يدل على سوء المزاج وجلافة الطباع بما لا يقبل العلاج، أتبعه ما هو شر منه، وهو أنهم جزموا بأنه كلما أتاهم شيء في المستقبل قابلوه بالكفر فقال: {وقالوا مهما} هي مركبة من ما مرتين: الأولى الشرطية والثانية تأكيد. قلبت ألف الأولى هاء استثقالاً، قيل: مه هي الصوت الذي يكون للكف وما الشرطية، أي كف عنك ما أنت فيه. ثم استأنفوا {ما} {تأتنا به} أي في أيّ وقت وعلى أيّ حالة كان؛ ثم بينوا المأتي به بقولهم: {من آية} أي علامة على صدقك، وهذا على زعمه، ولذلك عللوه بقولهم: {لتسحرنا} أي لتخيل على عقولنا {بها} وتلفتنا عما نحن عليه إلى ما تريد فنحن نسميها سحراً وأنت تسميها آية؛ ثم أجابوا الشرط بقولهم: {فما نحن} أي كلنا {لك} أي خاصة {بمؤمنين} أي من أن نكذبك.

.تفسير الآيات (133- 137):

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)}
ولما بارزوا بهذه العظمية، استحقوا النكال فسبب عن ذلك قوله: {فأرسلنا عليهم} أي عذاباً لهم- لما يفهمه حرف الاستعلاء {الطوفان} أي الرعد والبرق والنار مع المطر والبرد الكُبار الذي يقتل البقر فما دونها، والظلمة والريح الشديدة التي عمت أرضهم وطافت بها؛ ولما كان ذلك ربما أخصبت به الأرض، أخبر أنه أرسل ما يفسد ذلك فقال: {والجراد}.
ولما كان الجراد ربما طار وقد أبقى شيئاً، أخبر بما يستمر لأزقاً في الأرض حتى لا يدع بها شيئاً فقال: {والقمل} قال في القاموس: القمل كالسكر: صغار الذر والدبى الذي لا أجنحة له- وهو أصغر الجراد أو شيء صغير بجناح أحمر، وشيء يشبه الحلم خبيث الرائحة أو دواب صغار كالقردان يعني القراد. وقال البخاري في بني إسرائيل من صحيحه: القمل: الحمنان يشبه صغار الحلم.
ولما ربما كان عندهم شيء مخزوناً لم يصل إليه ذلك، أخبر بما يسقط نفسه في الأكل فيفسده أو ينقصه فقال: {والضفادع} فإنها عمت جميع أماكنهم، وكانت تتساقط في أطعمتهم، وربما وثبت إلى أفواههم حين يفتحونها للأكل.
ولم تم ما يضر بالماكل، أتبعه ما أفسد المشرب فقال: {والدم} فإن مياههم انقلبت كلها دماً منتناً، وعم الدم الشجر والحجارة وجميع الأرض في حق القبط، وأما بنو إسرائيل فسالمون من جميع ذلك.
ولما ذكر تعالى هذه الآيات العظيمة، نبه على عظمتها بذكر حالها فقال: {آيات} أي علامات على صدقه عظميات {مفصلات} أي يتبع بعضها بعضاً، وبين كل واحدة وأختها حين يختبرون فيه مع أن مغايرة كل واحدة لأختها في غاية الظهور، وكذا العلم بأنها من آيات الله التي لا يقدر عليها غيره.
ولما كانت حقيقة بان يتسبب عنها الإيمان عند سلامة القلب، سبب عنها قوله: {فاستكبروا} مبيناً أن الذي منعهم من الإيمان مرض القلب بالكبر والطغيان {وكانوا قوماً مجرمين} أي في جبلتهم قطع ما ينبغي وصله مع قوتهم على ما يحاولونه.
ولما كان هذا في الحقيقة نقضاً لما أخذه الله على العباد بعهد العقل، أتبعه نقضاً حقيقياً، فقال مبيناً لحالهم عند كل آية، ولعله عبر بما يشملها ولم ينص على التكرار لأن ذلك كاف فيما ذكر من النقض والفسق: {ولما وقع عليهم الرجز} يعني العذاب المفصل الموجب للاضطراب {قالوا يا موسى ادع لنا ربك} أي المحسن إليك، ولم يسمحوا كبراً وشماخة أن يعرفوا به ليقولوا: ربنا {بما عهد عندك} أي من النبوة التي منها هذا البر الذي تراه يصنعه بك؛ ثم أكدوا العهد بقولهم استئنافاً أو تعليلاً: {لئن كشفت عنا الرجز} أي العذاب الذي اضطربت قلوبنا وجميع أحولنا له {لنؤمنن لك} أي لنجعلنك آمناً من التكذيب بإيقاع التصديق، ويكون ذلك خالصاً لأجلك وخاصاً بك {ولنرسلن معك} أي في صحبتك، لا نجس أحداً منكم عن الآخر {بني إسرائيل} أي كما سألت؛ ودل على قرب الإجابة بالفاء في قوله: {فلما كشفنا} أي بعظمتنا {عنهم الرجز} كرره تصريحاً وتهويلاً، ومددنا الكشف {إلى أجل} أي حد من الزمان {هم بالغوه} أي في علمنا {إذا هم} أي بضمائرهم التي تجري ظواهرهم على حسبها {ينكثون}.
ولما أخبر أنهم فاجؤوا النكث وكرروه، سبب عنه قوله: {فانتقمنا منهم} أي انتقاماً ليس كذلك الذي كنا نؤذيهم به، بل انتقام إهلاك عبرة لوصولهم بعد كشف جميع الشبه إلى مخص العناد؛ ثم فسره بقوله: {فأغرقناهم} بما لنا من العظمة {في اليم} أي في البحر الذي يقصد لمنافعة {بأنهم} أي بسبب أنهم {كذبوا بآياتنا} أي على ما لها من العظمة بما عرف من صحة نسبتها إلينا، ودل سبحانه على أنهم كذبوا بغير شبهة عرضت لهم بل عناداً بقوله: {وكانوا} أي جبلة وطبعاً {عنها غافلين} أي يكون حالهم بعدها كحالهم قبلها، فكأنها لم تأتهم أصلاً فاستحقوا الأخذ لوقوع العلم بأن الآيات لا تفيدهم.
ولما أخبر عن إهلاكهم، عطف عليه ما صنع ببني إسرائيل فقال: {وأورثنا} أي بعد إهلاكهم بما لنا من العظمة {القوم} ولما اشار بهذه العبارة- التي معناها أنه كانت فيهم قوة وكثرة وشدة عزم على ما يحاولونه ويقومون به- إلى أنه هو الذي أذلهم لا فرعون، أتبعه ما يدل عليه فقال: {الذين كانوا يستضعفون} أي يطلب ضعفهم ويوجد بالشوكة واجتماع الكلمة بحاكم قد تمكنت عظمته في القلوب التي الوهم غالب عليها، وهم بنو إسرائيل {مشارق الأرض} أي الكاملة لبركاتها {ومغاربها} أي أرض الشام من الفرات إلى بحر سوف: الموضع الذي خرجوا منه من البحر وغرق فيه فرعون وآله- كما مضى نقله في المائدة عن التوارة، يعني حكمنا بإيراثهم ذلك وأنجزناه لأبناء الذين خرجوا من مصر بعد إهلاكهم في التيه؛ ثم وصفها تغبطاً بها بقوله: {التي باركنا فيها} أي في أرضها بالمياه والأشجار والثمار والخصب، وفي أرزاقها بالكثرة والطيب، وفي رجالها بالعلم والنبوة وفي طباعهم بالاستقامة، وفي عزائمهم بالنجدة والشجاعة والمكارم، وفي جميع أحوالهم بأنه لا يبغيهم ظالم إلا عوجل بالنقمة {وتمت} أي وجدت صحتها لوجود مضمونها في عالم الشهادة وظهوره من ستور الغيب {كلمت ربك} أي المحسن إليك بإنزال هذه الأنباء على هذه الوجوه المفيدة مع إعجازها لغاية العلم والحكمة {الحسنى} مستعلية {على بني إسرائيل} أي التي هي أحسن الكلام وهي وعده سبحانه لهم بالخلاص من العبودية وإيراثهم مساكن آبائهم كما كانوا يسمعون من أسلافهم، وإذا استعلت عليهم منعت أعداءهم من الوصول إليهم {بما صبروا} أي بسبب صبرهم على الاستعباد وذبح الأولاد وما حصل بعد ذلك من طويل الأنكاد {ودمرنا} أي أهلكنا إهلاكاً عظمياً جعل يدمره كالرماد، لا خير فيه أصلاً {ما كان يصنع} أي صنعاً بغاية الإقبال عليه حتى كأنهم خلقوا لهم {فرعون وقومه} أي من الصنائع الهائلة المعجبة لكل من يراها أو يسمع بها مع أنهم قد مرنوا عليها فصارت أسهل شيء عندهم {وما كانوا} أي بما هو كالجبلة والطبع {يعرشون} أي من الجنان والقصور العالية الأركان، وكفى بهذه الآية حاثة على الصبر وضامنة على كل حائز للأجر بالتفريج عن المظلوم ونصره وإهلاك الظلوم وقهره.
شرح ما يحتاج إلى شرحه هنا من التوراة الموجودة الان بين أظهر اليهود، قال مترجماً في الأصحاح الثالث من السفر الثاني ما نصه: وقال الرب لموسى في مدين: انطلق راجعاً إلى مصر لأن الرجال الذين كانوا يطلبون نفسك قد هلكوا جميعاً، فانطلق موسى بامرأته وبينه وحملهم على حماره وأخذ بيده عصا الرب، وقال الرب الموسى: انظر كل آية أجريتها على يدك فاصنعها أمام فرعون وأنا أقسي قلبه فلا يرسل الشعب وقل لفرعون: هكذا يقول الرب: ابني بكري إسرائيل، أرسل ليعبدني، فإن أبيت أن ترسل ابني فإني أقتل ابنك بكري، فلما صار موسى في الطريق في المبيت لقيه ملاك الرب فأخذت صفورا حجراً من حجارة المروة فحشت غرلة ابنها وأخذت برجليه- وفي نسخة السبعين: ووقعت عند رجليه- وقالت: إن اليوم عرس الدم- تعني الختان، فقال الرب لهارون: اخرج فتلق أخاك في القفر، فخرج فلقيه في جبل الله في حوريب فعانقه وقبله، فأخبر موسى هارون بجميع قول الرب الذي أرسله فيه وما أمره من الآيات، وانطلق موسى وهارون، فجمع أشياخ بني إسرائيل، فقص عليهم جميع ما قال الرب لموسى، وحرج جرائح وآيات قدام الشعب- وفي نسخة السبعين: فجمعا مشايخ بني إسرائيل وتكلم هارون بجميع الكلام الذي كلم الله به موسى وعمل الآيات قدام الشعب- فآمن الشعب وسمعوا أن الرب قد ذكر بني إسرائيل وأبصر إلى خضوعهم، وجثا الشعب وسجدوا للرب، ومن بعد هذه الآيات والخطوب دخل موسى وهارون وقالا لفرعون: هكذا يقول الله رب إسرائيل: أرسل شعبي يحجون إلى القفر- وفي نسخة السبعين: ليعبدوني في البرية- عوض: يحجون إلى القفر، فقال فرعون: ومن هو الرب حتى أطيعه؟ لا أعرف الرب ولا أرسل بني إسرائيل، وقالا له: الرب إله العبرانيين اعتلن لنا، فننطلق مسيرة ثلاثة أيام القفر ونذبح الذبائح لله ربنا لكيلا ينزل بنا الحزن والوباء- وفي نسخة السبعين: لئلا يفاجئنا موت أو قتل- قال فرعون: ما بالكما تبطلان الشعب من أعمالهم؟ فأمر فرعون ولاة الشعب وكتبتهم وقال لهم: لا تعودوا أن تعطوا الشعب تبناً لضرب اللبن كما كنتم تعطونهم، بل هم ينطلقون فيجمعون لأنفسهم التبن، وخذوهم بحساب اللبن على ما كنتم تأخذونهم به أمس وأول من أمس- ونسخة السبعين: في كل يوم لا تنقصوهم شيئاً من عملهم لأنهم بطروا لذلك يصيحون فيقولون: ننطلق فنذبح للرب إلهنا- فليشتد العمل على الرجال- ونسخة السبعين- فليتضاعف عمل هؤلاء القوم- حتى يهتموا به ولا يهتموا بكلام الباطل، فخرج ولاة الشعب وكتبتهم يما قال فرعون، فتقرق الشعب في جميع أرض مصر في جميع التبن، وجعل ولاتهم يلحون عليهم ويقولون: ارفعوا إلينا العمل كما كنتم ترفعون من قبل حيث كنتم تعطون التبن، فزادت كتبة بني إسرائيل وعوقبوا من الذين ولوهم عليهم وقالوا: لم لم ترفعوا إلينا حساب اللبن كما كنتم ترفعون، فأتى كتبة بني إسرائيل فشكوا إلى فرعون وقالوا: ما بال عبيدك يصنع بهم هذا الصنيع؟ فقال فرعون: أنتم قوم بطرون، تقولون: ننطلق لنذبح لربنا، فسار- أي الكتبة- في بني إسرائيل وقالوا لهم: لا تنقصوا من لبنكم شيئاً، بل ارفعوا إلينا كما كنتم ترفعون كل يوم، فلقوا موسى وهارون وهما واقفان أمامهم- وفي نسخة السبعين: وهما يجيئان نحوهم إذ خرجوا من بين يدي فرعون- فقالوا لهما: الله يحكم بيننا وبينكما لأنكما حرضتما علينا فرعون وعبيده حتى ضيق علينا بأن يضع السلاح فينا فيقتلنا، فرجع موسى إلى الرب وقال: يارب! لم أسأت بشعبك وأضررت به؟ لأني ساعة أن أتيت فرعون فذكرت اسمك أساء بهذا الشعب وشق عليهم وأنت تخلص شعبك، فقال الرب لموسى: الآن ترى ما أصنع بفرعون لأنه سيرسلهم- وفي نسخة السبعين: وسوف ترى ما أصنع بفرعون وكيف يرسلهم بيد منيعة وبذراع عظيمة يخرجهم من أرض مصر! أنا الرب الذي اعتلنت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب وسميت بإله المواعيد ولم أعلمهم اسم الرب- وفي نسخة السبعين: واسمي الرب فلم أظهره لهم- وأثبت عهدي أيضاً ووعدتهم أن أعطيهم أرض كنعان أرض غربتهم التي سكنوها؛ وقد سمعت ضجيج بني إسرائيل من تعبد أهل مصر، وأنجيكم من أعمالهم واخلصكم بيد منيعة وذراع عالية وبأحكام عظيمة، وأختصكم لي شعباً وأكون لكم إلهاً، وتعرفون أني أنا الرب إلهكم الذي أخرجكم من تعبد المصريين وأقبل بكم إلى الأرض التي رفعت يدي لأعطيها آباءكم إبراهيم وإسحاق ويعقوب وأجعلها لكم ميرثاً إلى الدهر، أنا الرب! فقال موسى لبني إسرائيل هذه الأقاويل فلم يسمعوا من موسى ولم يطيعوه من شدة حزنهم واستيقاد نفوسهم من الكد الشديد، وكلم الرب موسى وقال له: انطلق إلى فرعون ملك مصر وقل له فيرسل بني إسرائيل- من أرض مصر، فقال موسى للرب: إن بني إسرائيل لا يسمعوني ولا يطيعوني، وأنا أرتّ المنطق ثقيل اللسان فكيف يطيعني فرعون ويسمع مني! فقال الرب لموسى: انظر، إني قد جعلتك إلهاً لفرعون، وهارون أخوك يكون نبياً عليك، أنت تقضي جميع ما آمرك به، وهارون أخوك يقول لفرعون- وفي نسخة السبعين: وهارون أخوك يكون لك نبياً وأنت تتكلم بجميع ما آمرك به وهارون أخوك يكلم فرعون- ليرسل بني إسرائيل من أرضه وأنا أقسي قلب فرعون فأكثر آياتي وعجائبي بأرض مصر، فلا يطيعكما فرعون ولا يسمع منكما فأمد يدي على مصر وأخرج جميع جنودي وشعبي بني إسرائيل من أرض مصر بالأحكام العظام، فيعرف أهل مصر أني أنا الرب، فصنع موسى وهارون كما أمرهما الرب وانتهيا إلى أمره، وكان قد أتى على موسى ثمانون سنة، وكان ابن ثلاث وثمانين سنة إذ كلما فرعون، فقال الرب لموسى وهارون، إن قال لكما فرعون: أظهرا لي آية وجريحة، قل لهارون: خذ عصاك وألقها بين يدي فرعون فتكون تنيناً عظيماً، فأتى موسى وهارون إلى فرعون فصنعا كما أمرهما الرب، فألقى عصاه- وفي نسخة السبعين: فألقى هارون عصاه- بين يدي فرعون وأمام أمرائه- وفي نسخة السبعين: وعبيده- فصارت تنيناً عظيماً، فدعا فرعون بالحكماء والسحرة، فصنع سحرة مصر أيضاً بسحرهم كذلك، فألقى كل امرئ منهم عصاه فصارت تنيناً فابتلعت عصا هارون عصيهم، فقسا قلب فرعون وأبى أن يرسلهم كما قال الرب، وقال الرب لموسى: إن قلب فرعون قد قسا وأبى أن يرسل الشعب، انطلق إلى فرعون بالغداة، هو ذا يخرج ليغتسل على شاطئ البحر، وخذ العصا التي تحولت في يدك ثعباناً وقل: وإن الرب إله العبرانيين أرسلني إليك، يقول لك: أرسل شعبي حتى يعبدني في البرية لأنك حتى الآن لا تسمع ولا تطيع، هكذا يقول الرب: بهذا تعلم أني أنا الرب، هأنذا أضرب ماء النهر بعصاي فيصير دماً، وتموت الحيتان التي في النهر وينتن- وفي نسخة السبعين: ولا يقدر أهل مصر أن يشربوا الماء من هذا النهر- وقال الرب لموسى: مر هارون أن يأخذ عصاه، وارفع يدك على ماء المصريين على أنهارهم وعلى غدرانهم وعلى آجامهم وعلى دواليب مياههم- وفي نسخة السبعين: وقال الرب لموسى: قل لهارون: خذ عصاك ومد يدك على ماء مصر وعلى أنهارها وآجامها ونقارها وعلى كل مائها المستنقع- فيتحول دماً، فيصير الدم في جميع أهل مصر في الأرض والخسب والحجارة، فصنع موسى وهارون كما أمرهما الرب، فرفع هارون العصا التي في يده فضرب بها ماء النهر وفرعون وعبيده ينظرون، فتحول ماء النهر فصار دماً، وماتت الحيتان التي بالنهر، ففسد ماء النهر وأنتن، ولم يقدر أهل مصر على شرب الماء من الدم، فصار الدم في جميع أرض مصر وقسا قلب فرعون فلم يطعهما كالذي قال الرب، فانصرف فرعون فدخل منزله ولم يفكر في شيء من ذلك وتهاون به، وكملت سبعة أيام من بعد ما ضرب الرب النهر، وقال الرب لموسى: انطلق إلى فرعون وقل له: هكذا يقول الرب: أرسل شعبي حتى يعبدوني، فإن أبيت أن ترسله فإني أضرب جميع حدودك بالضفادع فتدب الضفادع فتصعد فتدخل إلى بيتك وقيطونك وفي مبيتك وعلى مضجعك وأسرتك في بيوت عبيدك وشعبك ومخادعك وبيوت طعامك، وتدب الضفادع عليك وعلى جميع شعبك، وقال الرب لموسى: قل لهارون أخيك أن مد يدك بعصاك على الأنهار وعلى الدواليب وعلى الآجام فأصعد الضفادع على أرض مصر، فرفع هارون يده على مياه المصريين فأصعد الضفادع فغشيت أرض مصر، فدعا فرعون موسى وهارون وقال لهما: صليا بين يدي الرب فتنصرف الضفادع عني وعن شعبي حتى أرسل الشعب فيذبحوا بين يدي الرب، فقال موسى لفرعون: سل وقتاً أصلي عليك فيه وعلى عبيدك وشعبك فتنصرف الضفادع عنك وعن بيتك- وفي نسخة السبعين: عنك وعن قومك وعن بيوتك- فقال له غداً فقال له موسى: سيكون كما سألت فتعلم أنه لا إله غير إلهنا، فيصرف الضفادع عنك وعن بيتك- وفي نسخة السبعين: بيوتك وعن عبيدك وعن شعبك ما خلا الضفادع التي في النهر- فخرج موسى وهارون من بين يدي فرعون، فصلى موسى بين يدي الرب فاستجاب الرب لموسى، فماتت الضفادع في الدور والبيوت والرياض فجمعوها أنابير أنابير فأصلّت الأرض وأجنت- وفي نسخة السبعين: فجمعوها صبباً صبباً فأنتنت الأض- فرأى فرعون الفرج والراحة وجفا قلبه فلم يطعهما كالذي قال الرب، فقال الرب لموسى: مر هارون فيرفع عصاه ليضرب ثرى الأرض فيكون القمل في جميع أرض مصر، ففعل ذلك فدب القمل في الناس والبهائم وصار جميع ثرى الأرض قملاً في جميع أرض مصر، فصنع مثل ذلك السحرة بسحرهم فلم يقدروا أن يصرفوا القمل في الناس والبهائم، فقالت السحرة لفرعون: إن هذا فعل رب العالمين، فقسا قلب فرعون ولم يطعهما كما قال الرب، فقال الرب لموسى: أدلج باكراً وقف بين يدي فرعون، وهو ذا يخرج يغتسل- وفي نسخة السبعين: فإنه يخرج إلى الماء- فقل له: هكذا يقول الرب: أرسل شعبي فيعبدوني، فإن أنت أبيت فهأنذا مرسل- وفي نسخة السبعين: فإني مرسل- عليك وعلى شعبك وعلى أهل بيتك هوام وحشرة من كل جنس فتمتلئ- وفي نسخة: ذباب الكلب فتمتلئ- بيوت المصريين من الهوام والحشرة مثل ثرى الأرض التي هم عليها، وأميز في ذلك اليوم أرض جاسان التي يسكنها شعبي، فلا يكون فيها من الهوام والحشرة شيء لتعلم أني أنا الرب، وأميز بين شعبي وشعبك، وتكون هذه الآية غداً، وفعل الرب كذلك وأنزل الهوام على بيت- وفي نسخة: بيوت- فرعون وعبيده وعلى جميع أرض مصر، ففسدت الأرض بالهوام، فدعا فرعون موسى وهارون وقال لهما: انطلقوا فاذبحوا الذبائح لله ربكم في هذه الأرض، فقال موسى: لا يحسن بنا أن نفعل ذلك لأنا إنما نذبح للرب إلهنا من نجاسة المصريين وبدعهم، فإن نحن ذبحنا أمام آلهة المصريين رجمونا، بل ننطلق مسيرة ثلاثة أيام في القفر فنذبح هنالك للرب إلهنا على ما يأمرنا ويقول لنا، فقال فرعون: أنا أرسلكم فتذبحوا الذبائح للرب إلهكم في البرية، ولكن لا تنطلقوا فتتوانوا، بل صلوا عليّ أيضاً- وفي نسخة السبعين: ولكن لاتبعدوا وصلوا عليّ أيضاً إلى ربكم- فقال موسى لفرعون: هأنذا أخرج من بين يديك فأصلي بين يدي الرب، فيصرف الهوام والحشرة عن فرعون وعن عبيده وعن شعبه غداً، ولكن لا يعود فرعون أن يكذب في قوله ويأبى أن يرسل الشعب ليذبحوا الذبائح، فخرج موسى من بين يدي فرعون وصلى بين يدي الرب، فقبل الرب صلاة موسى وصرف الهوام فلم يوجد منها ولا واحد، فقسا قلب فرعون بعد هذا أيضاً ولم يرسل الشعب، فقال الرب لموسى: انطلق إلى فرعون وقل له: هكذا يقول الرب إله العبرانيين: أرسل شعبي حتى يعبدوني، فإن أبيت أن ترسله- وفي نسخة السبعين: وتمسكت به، فإن يد الرب تضرب ماشيتك التي في القفر من الخيول والحمير والبقر والغنم، فيقع فيها الوباء العظيم الصعب الشديد، ويميز الرب بين دواب بني إسرائيل وبين بهائم أهل مصر، فلا يموت من بهائم آل إسرائيل ولا واحد، ووقت الرب وقتاً ليكمل فيه هذا القول على الأرض، فأكمل الرب هذا الأمر من غد ذلك اليوم، فماتت جميع بهائم المصريين ولم يمت من دواب بني إسرائيل ولا واحد، وأرسل فرعون فإذا أنه لم يمت من دواب بني إسرائيل ولا دابة، فقسا قلب فرعون بعد هذا أيضاً فأبى أن يرسل الشعب، فقال الرب لموسى وهارون: خذا في حقيبتكما من رماد الأتون فيذره موسى إزاء السماء نحو فرعون، فيكون العجاج في أرض مصر، فيضرب الناس والبهائم جميعاً قروح ناتية رخوة في أرض مصر كلها، فأخذا رماد الأخدود ووقفا بين يدي فرعون فذره موسى نحو السماء أمام فرعون فظهرت قروح ناتية رخوة، فاستعلت في الناس والبهائم، فلم يقدر السحرة على الوقوف بين يدي موسى من كثرة القروح التي ظهرت في السحرة وفي جميع أهل مصر، فقسى الرب قلب فرعون فلم يسمع لهما ولم يطعهما كالذي قال الرب لموسى، فقال الرب لموسى: أدلج باكراً وقف بين يدي فرعون وقل له: هكذا يقول الرب إله العبرانيين: أرسل شعبي فيعبدوني وإلا فأنا مرسل في هذا الوقت ضربتي على قلبك وعلى عبيدك وعلى شعبك لتعلم أنه لا إله غيري على الأرض كلها، لأني مجمع من الآن أن أمد يدي فأضربك وشعبك بالوباء، وتبيد عن جديد الأرض، وإنما بغيتك بهذا الأمر لأظهر لك عزي وقدري ولينادي باسمي في الأرض كلها، وأنت حتى الآن تتمسك بالشعب وتأبى أن ترسله، وغداً في هذا الوقت أهبط البرد العظيم الشديد ما لم يكن- وفي نسخة السبعين: الذي لم يكن مثله- بمصر منذ اليوم الذي أسست فيه قواعدها إلى يوم الناس هذا، والآن أرسل فأدخل جميع دوابك وكل مالك في الحقل لأن كل بهيمة أو إنسان يلقى في الحقل ولا يدخل البيت يهبط عليهم البرد فيموتون، وكل من خاف كلمة الله من عبيد فرعون نقل عبيده وبهائمه إلى البيوت، والذي لم يفكر في كلمة الله وتهاون بها ترك دوابه وعبيده في الحقل، وقال الرب لموسى: ارفع يدك إلى السماء يهبط البرد على جميع أرض مصر على الناس والبهائم وجميع الحقول- وفي نسخة السبعين: على الناس والدواب وجميع نبات الصحراء- فرفع موسى عصاه نحو السماء فأرجفهم الرب بالرعد والبرد، وجعلت النار تضطرم على الأرض، فأهبط الرب البرد وكان البرد يهبط والنار تضطرم في البرد، وكان شديداًعظيماً، ولم يكن مثله في جميع أرض مصر منذ اليوم الذي سكنها بنو البشر، فضرب البرد جميع أرض مصر لكل من كان في الحقل من الناس والبهائم، وأهلك الرب جميع عشب الحقل وحطم جميع أشجار الغياض، فأما أرض جاسان التي كانت آل إسرائيل يسكنونها فلم يهبط عليها البرد، فأرسل فرعون فدعا موسى وهارون فقال لهما: قد خطئت في هذه المرة أيضاً، والرب بار وأنا وشعبي منافقون- وفي نسخة السبعين: إني قد أخطأت والرب بار وأنا وشعبي فجار- فصليا بين يدي الرب فإنه ذو إمهال وأناة فيصرف عنا الرجفة والرعد والبرد فأرسلكم فلا تعودوا أن تتأخروا- وفي نسخة السبعين: وأنا أرسلكم ولا أعود أن أوخركم- فقال موسى لفرعون: إذا ما خرجت من القرية أبسط يدي للرب فيصرف عنكم صوت الرعد والرجفة، ولا يعود البرد يهبط أيضاً لكي تعلم أن الأرض وما عليها لله.
وأنا أعلم أنك وعبيدك إلى الآن لم ترهبوا الله ولم تخافوا عقابه، وقد هلك الكتان والشعير- وفي نسخة السبعين: وضرب البرد الشعير والكتان- لأن الشعير كان قد بدأ أن يسبل، والكتان قد بدأ أن يبزر، فأما زرع الحنطة والكثيب فلم يهلك لأنه كان متأخراً، فلما جاء موسى من القرية من بين يدي فرعون بسط- وفي نسخة السبعين: فأما زرع الحنطة والذرة فإنه لم يضرهما لأنهما كانا لقسا، وخرج موسى من عند فرعون خارج المدينة فبسط- يديه بين يدي الله نحو السماء فصرف عنهم الرعد والبرد، وانقطع المطر عن الأرض، فرأى فرعون أن القطر والبرد والرعد قد انقطع وسكن فعاد وخطأ وقسا قلب فرعون وعبيده- وفي نسخة السبعين: وقسا قلبه وقلب عبيده وجفا- ولم يرسل بني إسرائيل كرسالة الرب- وفي نسخة السبعين: على ما تكلم به الرب على يد موسى- فقال الرب لموسى: انطلق إلى فرعون لأني أنا الذي أقسي قلبه وقلوب عبيده، فأظهر هذه الآيات لتجر بنيك وبني بنيك بما صنعت بأهل مصر من الآيات الكثيرة التي أظهرت، فيعلموا أني أنا الرب، فأتى موسى وهارون إلى فرعون وقالا له: هكذا يقول الرب إله العبرانيين: حتى متى تأبى أن تخافني وترهبني! أرسل شعبي ليعبدوني، فإن أبيت أن ترسل شعبي فهأنذا محدر على جميع تخومك الجراد- وفي نسخة السبعين: فإني أجلب عليك غداً هذا الوقت جراداً عظيماً على جميع حدودك- فيغطي عين الأرض فلا يقدر إنسان على النظر إلى الأرض، فمهما أبقى لكم البرد أكله، ويأكل جميع الشجر التي تنبت لكم في الحقل، ويمتلئ منه بيوتك وبيوت عبيدك وبيوت جميع المصريين ما لم ير مثله آباؤك وأجدادك من اليوم الذي أسست الأرض إلى يوم الناس هذا، ورجعا من بين يدي فرعون فقالفرعون لعبيده: حتى متى يكون لنا هذه العثرة! يرسل القوم فيعبدون- وفي نسخة السبعين: فقال عبيد فرعون لفرعون: حتى متى يكون لنا هذا البلاء! أرسل القوم فيعبدوا- الرب إلههم أما تعلم- وفي نسخة السبعين: أو ما عملت- أن مصر قد خربت، فردوا موسى وهارون إلى فرعون فقال لهم: انطلقوا فاعبدوا بين يدي الرب إلهكم، ولكم من منكم ينطلق؟ فقال له موسى: إنا ننطلق بشباننا وشيوخنا وبنينا وبناتنا وبغنمنا وبقرنا، لأنه عيد لنا للرب، فقال لهما: ليكن كما قلتما، والله يصحبكما إذا ما أرسلتكم وحشمكم، لعله أن يعرض لكم في الطريق آفة، ولكن ليس هكذا، انطلقوا الآن معاشر الرجال! اعبدوا بين يدي الرب لأنكم إنما تطلبون بذلك الراحة، فأخرجوهما من بين يدي فرعون، فقال الرب لموسى: ارفع يدك على أرض مصر فيأتي الجراد فيصعد على أرض مصر فيأكل عشب الحقل وجميع ما نجا من البرد، فرفع موسى عصاه على ارض مصر، فأهبَّ الرب على الأرض ريح السموم جميع ذلك اليوم- وفي نسخة السبعين: والرب جلب ريحاً قبلية على الأرض نهار ذلك اليوم- وتلك الليلة، فلما كان بالغداة احتملت ريح السموم الجراد، فصعد الجراد- وفي نسخة السبعين أخذت الريح القبلية الجراد وأصعدته- على جميع أرض مصر، فسقط على جميع تخوم أرض المصريين، وكان منيعاً عظيماً جداً، ولم يكن مثل ذلك الجراد فيما خلا ولا يكون مثله فيما بعده، فغطى جميع عين الأرض فأظلمت الأرض، وأكل جميع عشب الحقل وجميع الشجر التي نجت من البرد، ولم يبق في الشجر غصن ولا ورق ولا في الحقل عشب في جميع أرض مصر، فاستعجل فرعون ودعا موسى وهارون وقال لهما: قد خطئت بين يدي الله إلهكما، والآن اعفوا عن ذنبي وجهلي هذه المرة، وصليا بين يدي الرب إلهكم فيصرف عني هذه الآفة والموت، فخرج موسى من بين يدي فرعون وصلى بين يدي الرب، فعاد الرب بريح السموم عاصفاً فاحتملت الجراد فقذفت به في بحر سوف- وفي نسخة السبعين: فغير الرب تلك الريح بريح من البحر شديدة فأخذت الجراد وألقته في البحر الأحمر- ولم يبق في جميع تخوم المصريين شيء من الجراد، فقسى الرب قلب فرعون فلم يرسل بني إسرائيل، فقال الرب لموسى: ارفع يدك إلى السماء فليكن الدجى والحنادس على جميع أرض مصر فتذلهم الظلمة، فرفع موسى يده إلى السماء فكانت الظلمة والدجى- وفي نسخة السبعين: فصارت ظلمة وزوبعة- على جميع أرض مصر، ولم ير المرء منهم صاحبه ثلاثة أيام، فأما جميع بني إسرائيل فكان لهم الضياء والنور في مساكنهم، فدعا فرعون موسى فقال له: انطلقوا فاعبدوا بين يدي الرب إلهكم، فأما بقركم وغنمكم فدعوها هاهنا، وأما حاشيتكم فانطلقوا بها معكم، فقال موسى لفرعون: وأنت أيضاً تعطينا من الذبائح فنذبح لله ربنا، وبهائمنا أيضاً تنطلق بها معنا، ولا يبقى منها هاهنا ظلف على الأرض لأنا إنما نأخذ من مالنا لنذبح بين يدي الرب إلهنا، ولسنا نعلم بماذا نعبد الله إذا بلغنا هناك، فقسى الرب قلب فرعون وأبى أن يرسلهم، فقال فرعون لموسى: اخرج من بين يدي واحذر أن تتراءى لي أيضاً لأن اليوم الذي تتراءى لي بين يديّ تموت فيه، قال له موسى: ما أحسن قولك! لست بعائد أن أرى وجهك، قال الرب لموسى: إني أعود أيضاً فانزل بفرعون والمصريبن ضربة واحدة، وعند ذلك أرسلكم من هاهنا، فإذا أرسلتكم فاخرجوا كلكم، وأمر الشعب وقال لهم: ليستعر المرء منكم من صاحبه والمرأة من جارتها حلي ذهب وفضة- وفي نسخة السبعين: آنية الفضة وآنية الذهب- والكسوة، وجعل الرب للشعب في قلوب المصريين محبة ورحمة، وموسى كانت له هيبة وكرامة عظيمة في جميع أرض مصر- وفي نسخة السبعين: عند المصريين وعند فرعون وعند جميع عبيده- فقال موسى: هكذا يقول الرب: إني خارج نصف الليل فأجوز في أرض مصر فأتوفى جميع أبكار مصر بكر فرعون الجالس على منبره إلى بكر الأمة التي في بيت الرجل، وتموت جميع أبكار البهائم فتسمع الولولة العظيمة والصراخ والأنين الفظيع ما لم يسمع مثله أيضاً- وفي نسخة السبعين: ولا يعود أيضاً أن يكون مثلها- فأما آل إسرائيل فلا يصاب منهم ولا الناس ولا البهائم ولا الكلب بلسانه- وفي نسخة السبعين: ولا يعوي من جميع بني إسرائيل كلب بلسانه- ليعلموا أن الرب ميز بين المصريين وآل إسرائيل، فهبط جميع عبيدك هؤلاء فيسجدون لي ويقولون: اخرج أنت وجميع الشعب معك، وعند ذلك أخرج، فخرج موسى من بين يدي فرعون بغضب شديد، فقال الرب لموسى: إن فرعون لا يطيعكما، ذلك أني مكثر آياتي وعجائبي بأرض مصر، وإن موسى وهارون جرحا هذه الجرائح وأظهرا هذه الآيات كلها بين يدي فرعون، فقسى الرب- وفي نسخة السبعين: وأقسى الرب- قلب فرعون فلم يرسل بني إسرائيل عن أرضه، وقال الرب لموسى وهارون بأرض مصر: هذا الشهر- أي نيسان- يكون لكم رأس الشهور، ويكون هذا أول شهور السنة، قل لجميع جماعة بني إسرائيل في عشر من هذا الشهر فليأخذ الرجل منهم حملاً- وفي نسخة السبعين: خروفاً- لبيته وحملاً لآل أبيه، وإن كان آل البيت قليلاً لا يحتاجون إلى حمل فليشرك هو وجاره القريب إلى بيته على عدة الناس، وعدوا كل امرئ منهم على قدر أكله من الحمل، حملاً بلا عيب فيه ذكراً بيناً، يكون الحمل حويلاً من الخراف والجدي وتأخذونه، ويكون محفوظاً لكم حتى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر، ويذبحه كل جماعة من كنيسة بني إسرائيل أصيلاً، ويأخذون من دمه ويضعونه على القائمين والعتبة من البيت الذي تأكلون فيه، أي علامة- للملائكة الذين يؤمرون بقتل أبكار المصريين، وتأكلون اللحم في هذه الليلة مشوياً بفطير، ولا تأكلوا منه نيئاً ولا مطبوخاً بالماء، ولاتبقوا منه شيئاً لغد، ولا تكسروا منه عظماً، وما فضل منه إلى غد فأحرقوه بالنار، وكلوه وأنتم قيام وقد شددتم أو ساطكم ونعالكم في أرجلكم وعصيكم في أيديكم وكلوه بعجلة، فإنه فصح للرب، وأنا فإني أعبر في أرض مصر في هذه الليلة وأضرب كل بكر بأرض مصر من الناس والبهائم، وأعمل نقمة من جميع آلهة المصريين، أنا الرب! ويكون لكم هذا اليوم ذكراً وتعيدونه عيداً للرب لدهوركم إلى الأبد وتعيدونه سبعة أيام، وتأكلون فطيراً وتعزلون الخمير من بيوتكم من أول يوم، وكل من يأكل خميراً فإن تلك النفس تبيد من إسرائيل من اليوم الأول إلى اليوم السابع، وكل عمل يعمل فلا تعملوه فيها، واحفظوا هذه الوصية، ففي هذا اليوم خرج عسكركم من مصر، فاجعلوا هذا اليوم لدهوركم سنة، فإذا بدأ اليوم الرابع عشر من الشهر الأول من العشيّ كلوا فطيراً إلى يوم إحدى وعشرين من الشهر إلى العشاء، ولا يوجد خمير في بيوتكم سبعة أيام، وكل من يأكل مخمراً فإن تلك النفس تبيد من جماعة بني إسرائيل من الملة والذمة ومن سكان الأرض، ما كان خميراً فلا تأكلوه وكلوا فطيراً في جميع مساكنكم، فدعا موسى جميع أشياخ بني إسرائيل وقال لهم: عجلوا فخذوا غنماً لقبائلكم واذبحوا الفصح وخذوا حزمة من ريحان الأدبان واغمسوها بدم الحمل ورشوا على معاقم أبوابكم ومعاضدها- وفي نسخة السبعين: على العتبة وكلا القائمين- من الدم الذي في الإناء، ولا يخرج أحد منكم من باب بيته إلى غدوة- وفي نسخة السبعين: إلى الصباح- فتحفظون هذه السنة والوصية أنتم وبنوكم إلى الأبد، وإذا دخلتم الأرض التي يعطيكم الرب كما وعدكم فاحفظوا هذا العمل، وإذا سأل بنوكم فقالوا لكم: ما هذا الفعل؟ فقولوا لهم: هذه ذبيحة فصح الرب إذ أفصح على بيوت بني إسرائيل بمصر إذ قتل المصريين وخلص بيوتنا، فركع الشعب كله ساجداً لله وانطلق بنو إسرائيل فصنعوا كما أمر الله موسى وهارون، وفي بيوت بني إسرائيل فلما كان عند نصف الليل قتل الرب أبكار أرض مصر- وفي نسخة السبعين: كل بكر بأرض مصر- من بكر فرعون الجالس على منبره- وفي نسخة السبعين: على كرسيه- وحتى بكر السبي المحبوس في السجن وجميع أبكار البهائم فوثب فرعون في تلك الليلة هو وجميع عبيده وكل أرض مصر- وفي نسخة السبعين: وجميع المصريين- وكانت ولولة عظيمة في جميع أرض مصر لأنه لم يوجد بيت لم يكن فيه ميت، فدعا فرعون بوسى وهارون في تلك الليلة وقال لهما: انهضا فاخرجا من بين شعبي أنتما وبنو إسرائيل أيضاً وانطلقوا فاعبدوا بين يدي الرب كقولكما، وسوقوا غنمكم وبقركم أيضاً كما قلتما، وانطلقوا وصلوا عليّ أيضاً وادعوا لي، فألح المصريون على الشعب ليخرجوهم عن الأرض مسرعين لأنهم قالوا: إنا جميعاً سنموت، فحمل الشعب عجينهم قبل أن يختمر، والبارد من فطيرهم مشدوداً في عمائمهم ملقى أعناقهم، وصنع بنو إسرائيل كما أمرهم موسى، واستعاروا من المصريين حلي ذهب وفضة وكسوة- وفي نسخة السبعين: آنية الفضة والذهب والكسوة- وجعل الرب للشعب في أعين المصريين محبة ورحمة فأعاروهم، فحربوا المصريين، وظعن بنو إسرائيل من رعمسيس- وعلى حاشية نسخة السبعين أنها عين شمس- يطلبون ساخوت ستمائة ألف رجل سوى الحشم والعيال، وصعد معهم من الغرباء أيضاً من كل خلط ومن البقر والغنم والماشية كثيراً جداً، فاختبزوا العجين الذي أخرجوه معهم من مصر رغفاً- وفي نسخة السبعين: فرانيّ- فطيراً لم يختبزوه- وفي نسخة السبعين: لم يختمر- وذلك لأن المصريين أخرجوهم فلم يقدروا أن يلبثوا، ولم يتزودوا زاداً للطريق أيضاً، وكان مسكن بني إسرائيل في أرض مصر أربعمائة وثلاثين سنة، في هذا اليوم خرج جميع جنود الرب من أرض مصر- وفي نسخة السبعين: ليلاً- كان الرب وقت في سابق علمه حفظ تلك الليلة التي خرجوا فيها من مصر، وكانت هذه الليلة محفوظة معروفة لدى الرب لهلاك أبكار مصر ولإخراج جميع بني إسرائيل ليكون ذكر ذلك في جميع أحقابهم وخلوفهم، وقال الرب لموسى وهارون: هذه سنة الفصح، لا يأكل منه غريب، وكل عبد لرجل اشتراه إذا ختنه عند ذلك فأطعمه الفصح، والأجير والساكن فلا يأكل منه، في بيت واحد فليؤكل- وفي نسخة السبعين: وكل عبد لرجل اشتراه فليختتن ثم يأكل منه، الملجئ والأجير لا يأكلان منه، وليؤكل في بيت واحد- ولا تخرجوا من اللحم خارجاً من البيت شيئاً ولا تكسروا فيه عظماً، وإذا سكن معكم غريب فختن كل ذكر في بيته عند ذلك فليقترب- وفي نسخة السبعين، وليختن منهم كل ذكر ثم يدنون- من بعد ذلك إلى أكل الفصح، وليكن عند ذلك بمنزلة أهل الأرض، ولا يأكل منه أغرل، ولتكن سنة واحدة لأهل الأرض والغرباء الذين يسكنون معكم، وصنع جميع بني إسرائيل كما أمر موسى وهارون، وفي هذا اليوم أخرج الرب بني إسرائيل من أرض مصر وجميع جنودهم، وقال الرب لموسى: طهر لي كل ذكر ذكر ويفتح كل رحم من بني إسرائيل من الناس والبهائم يكونون لي، فقال موسى للشعب: اذكروا هذا اليوم الذي خرجتم فيه من مصر من العبودية والرق، لأن الرب أخرجكم من هاهنا بيد منيعة- إلى آخر ما مضى في سورة البقرة؛ ثم ذكر في الخامس علة الفصح فقال: احفظوا شهر البهار فاعملوا فصحاً لله ربكم لأنه إنما أخرجكم من أرض مصر في شهر البهار ليلاً، فاذبحوا فصحاً لله ربكم من البقر والغنم في الموضع الذي يختار الله ربكم، فلأ تأكلوا فيه خميراً بل كلوا فطيراً سبعة أيام خبزاً يدل على التواضع لأنه إنما خرجتم من أرض مصر بعجلة لتذكروا اليوم الذي أخرجتم فيه من مصر كل أيام حياتكم، ولا يرى الخمير في حدودكم سبعة أيام، ولا يحل لكم أن تأكلوا الفصح في قرية من القرى التي يعطيكم الله ربكم، ولكن في الموضع الذي يختار الله ربكم أن يصير فيه اسمه ففيه اذبحوا الفصح، ويذبح عند غروب الشمس في الوقت الذي خرجتم من أرض مصر، ثم قال: وأحصوا سبعة سوابيع من بعد عيد الفصح، ثم اعملوا عيد السوابيع وائتوا بخواص غلاتكم للرب، كما بارك لكم الله ربكم في الموضع الذي يختار الرب أن تصيروا اسمه فيه واذكروا أنكم كنتم عبيداً بأرض مصر، فاحفظوا هذه السنن كلها واعملوا بها، واعملوا عيد المظال سبعة أيام إذا ما دخلتم بيادركم وخزنتم معاصركم ليبارك الله ربكم في جميع غلاتكم وفي كل عمل أيديكم، وتكونوا فرحين، ويروى ذكركم أمام الله ربكم في الموضع الذي يختار ثلاث مرات في السنة: عيد الفطر وعيد السوابيع وعيد المظال- انتهى.
وفيه مما لا يجوز إطلاقه في شرعنا إضافة- الابن في قوله: ابني بكري، وهو مؤوّل بأنه يكرمه إكرام الولد، وإطلاق الإله على غير الله سبحانه مراد به الحاكم، ولا يجوز هذا الإطلاق عندنا.